حلمي الأسمر
راميتا نافاي صحفية بريطانية من أصول إيرانية، درست في إيران وعملت مراسلة صحفية
لجريدة «التايم» من طهران لسنوات، واشتهرت بالعديد من أفلامها الاستقصائية التي عالجت فيها قضايا حساسة مثل إدمان الأطفال على المخدرات في أفغانستان، والعبيد في آسيا و»غواتيمالا مدينة الموت».
شاهدت للتو فيلما وثائقيا لها، تمكنت من تصويره بشكل سري عن الاحتجاجات التي تشهدها سورية، من داخل العاصمة دمشق، بعد أن قالت للسلطات أنها جاءت كسائحة. راميتا، التقت في فيلمها ناشطين في التنسيقيات وجرحى ومتظاهرين وجنودا انشقوا عن الجيش، خلال أسبوعين قضتهما متخفيّة في أشد الأماكن خطورة وتدهوراً أمنيا خلال النصف الأول من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. الفيلم الذي صورته نافاي بمساعدة ناشطين سوريين، يظهر كيف تبدو الحياة في قلب الثورة السورية بعد منع النظام جميع وسائل الإعلام العالمية المستقلة من دخول سورية. وأطلقت نافيتاعلى الفيلم اسم «رسالة إلى العالم من السوريين».
شاهدتُ الصحفية وسط تشييع جموع المحتجين لجنازة أيمن زغلول الذي قُتل على أيدي قوات الأمن السورية في التاسع عشر من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي في مدينة عربين بريف
دمشق، ووسط مظاهرة مسائية في مدينة دوما حيث التقت فيها ببعض المتظاهرين وأجرت مقابلات معهم، وكان من الواضح أن الفيلم من المصادر المستقلة القليلة التي تكذّب الروايات التي تسوقها الحكومة السورية حول وجود عصابات مسلحة تقتل المدنيين، رغم اتهام السلطات السورية جميع وسائل الإعلام العالمية بمشاركتها فيما تعتبره دمشق «مؤامرة على سورية»، حيث بدت جميع الصور التي التقطتها الصحفية مظاهرات سلمية قام الأمن بإطلاق الرصاص عليها في كثير من الأحيان. الفيلم الذي بثته القناة الرابعة البريطانية قبل فترة، ضمن برنامج «العالم غير المُخبر عنه» يظهر ناشطين يقومون بتوثيق قتلى الاحتجاجات بالأسماء، وحفظ مقاطع فيديو تُظهر جرائم وحشية ارتكبها النظام السوري، في أماكن سرية لعرضها على المنظمات الدولية. كما يظهر الفيلم حالة رعب شديدة يعيشها الناشطون جراء الملاحقة الأمنية المستمرة، وخوفهم من الاعتقال والقتل على أيدي رجال الأمن. كما تبدو في الفيلم عمليات تخريب ونوافذ محطمة وشعارات كتبها «الشبيحة» بعد مداهمة بلدة مضايا بريف دمشق التي كانت الصحفية متواجدة فيها وأمضت 72 ساعة في أحد المنازل برفقة عضو بالهيئة العامة للثورة السورية، قبل أن تعود إليها بعد أيام لتصوير مظاهرات مناوئة لحكم الأسد، حيث قالت إن عائلات بأكملها خرجت في المظاهرات رغم كل عمليات القمع.
يظهر الفيلمُ بيوتاً تحولت إلى مشاف ميدانية بعد عمليات التصفية والضرب والاعتقال التي يتعرض لها المحتجون الذين يزورون المشافي الحكومية، إثر إطلاق النار عليهم من
قبل قوات الأمن أثناء المظاهرات. حيث التقت بأطباء وجرحى قالوا: إنهم أصيبوا أثناء مظاهرات سلمية. ويبدو في الفيلم أحد الأطباء وهو يقول: إنه اطلع على حالات قام الأمن خلالها بإطلاق النار على المصابين داخل أسرتهم في المشافي، وأن الأطباء باتوا عرضة للاعتقال بسبب تطوعهم في إسعاف المحتجين. كما التقت الصحفية بجنود منشقين، قالوا لها:: إنهم أمروا بإطلاق النار على الأطفال والمحتجين السلميين خلال خدمتهم العسكرية. مشيرين إلى أن الأمن السوري يقتل من يرفضون إطلاق النار. ويقول كثير منهم إنهم تلقوا أوامر بقتل محتجين مسالمين وأنهم سيُقتلون إذا تمردوا على الاوامر. وصرح لها جندي كان متمركزاً في درعا «زميلي الذي كان بجواري رفض إطلاق النار على الحشد لوجود نساء وأطفال بينهم، فتلقى رصاصة في مؤخرة رأسه». وقال إن حوالي 40 محتجا قتلوا برصاص الوحدة التي كان يخدم فيها في تلك المناسبة!
الفيلم شهادة دامغة على كذب الخطاب الإعلامي السوري، وتأكيد لحجم الجرائم التي يرتكبها النظام ضد شعبه، موثقة بالصوت والصورة، من جهة محايدة.
* نقلا عن "الدستور" الأردنية