كثر الحديث عن حماية المدنيين وعن الحماية الدولية في الأيام الأخيرة ، وبشكل خاص بعد تخصيص الثوار لجمعة الحماية الدولية ، التي كانت في 9/9/11 ، وكان الذين يُسألون عن هذا الموضوع : بعضهم يتلعثم ، ويتردد ويعطي توصيفا مبهما ، وغامضا بعيدا عن التحديد ، والتعريف الدقيق ، وهذا كله ناتج عن :

1- الثقافة السورية المشبعة بالقومية العربية ، والوطنية ، والعروبة ، ومعاداة الصهيونية وأمريكا والإستعمار الغربي ، التي تربى عليها السوريون لمدة قرن كامل وليس – كما يظن البعض – بسبب التقافة المزيفة التي كان ينشرها حكم بشار وأبيه ، فالسوريون بطبيعة نشأتهم ، وتربيتهم ، وتخلقهم ، يحملون في دمائهم مورثات العروبة والإسلام والوطنية والجهاد ، ولا غرو في هذا وهم أحفاد بني أمية ، الذين أسسوا أول دولة إسلامية مترامية الأطراف تمتد من السند شرقا إلى الأندلس غربا .

2- حكم الطغيان والإستبداد الذي خيم على البلد لأكثر من أربعين عاما ، مع التخويف من التخوين ، والتآمر مع الأعداء ، بمجرد التفوه بكلمة واحدة ، تشير ولو من بعيد ، وبشكل غير مباشر ، عن الإتصال أو الكلام مع أي دولة أجنبية ، أو حتى وفد من تلك الدولة ، فنشأت حساسية شديدة لدى السوريين جميعا ، جعلتهم يتهيبون ، ويتحفظون ، ويحذرون من الكلام عن طلب أي مساعدة خارجية ، خشية أن يوصم بالخيانة والعمالة والتآمر .

3- كبت الحريات ومنع التعبير عن الرأي ، مما جعل السوريين يصمتون ، ويصومون عن الكلام المباح ، دهراً طويلاً ، مما جعله ينسون أبجديات الكلام ، وفي الوقت نفسه أطلق العنان لأزلام المخابرات ، وأعوان السلطة ، كي تنطلق ألسنتهم بالكلام المكرر والمعاد ، عن مقاومة ومحاربة الإستعمار والصهيونية ، حتى أصبحوا يحفظونه عن ظهر غيب ، وهذا ما جعل هؤلاء الأبواق ، يتكلمون بكل طلاقة حينما كانوا يظهرون على الفضائيات في أوائل الثورة ، أكثر من رجال المعارضة ، لأنهم كانوا مدربين ، ومتمكنين من الكذب والخداع والتضليل.

ولكي يتبين لنا مفهوم حماية المدنيين ، بشكل واضح ، دون لبس أو غموض ، يجدر بنا أن نوضح المصطلحات الأخرى ، المشابهة له ، والتي قد تختلط على الناس ، فتصيبهم بالحيرة والتيه والضياع .

مفهوم الغزو الخارجي : هذا الغزو قد يكون فكريا ، عقائديا ، سياسيا ، فنيا ، اجتماعيا ، سلوكيا ، وقد يكون عسكريا ، وهذا الذي يهمنا توضيحه الآن ، وهو يعني قدوم قوات عسكرية أجنية ، من بلد ما ، أو مجموعة بلدان ، إلى بلد آخر بقصد مساعدة السلطة الحاكمة ، وبطلب منها ، لتثبيت حكمها حينما تتعرض لأي تهديد من جهة أخرى ، ومثال ذلك الغزو السوفياتي لأفغانستان في 25/12/79 الذي كان قصده ، تثبيت دعائم الرئيس نور تراقي الماركسي من السقوط ، بعد ثورة الشعب الأفغاني عليه ،

مفهوم الإحتلال الإستعماري : عبارة عن دخول قوات أجنبية ، لبلد ما ، بالقوة وإزالة الحكم الوطني – أيا كان نوعه – والسيطرة ، والهيمنة على البلد واستعماره ، واحتلاله ، وأقرب الأمثلة على ذلك الإحتلال الأمريكي لأفغانستان الذي حصل في أواخر 2001 والعراق في الشهر الرابع لعام 2003 .

مفهوم التدخل الخارجي : هو قيام قوات دولة ما ، بدخول أراضي دولة أخرى ، بموافقتها أو بدون موافقتها ، لمهاجمة عناصر معادية لها ، متواجدة على هذه الأرض ، والقضاء عليها ، وأقرب الأمثلة على ذلك التدخل الأمريكي السافر لأرض باكستان ، واليمن ومطاردة عناصر القاعدة وقتلهم كما حصل في قتل أسامة بن لادن والعولقي .

مفهوم حماية المدنيين : هو بكل بساطة ، وسهولة وبدون فلسفة ، ولا جدال ولا هرطقة : إن أي شعب موجود على الكرة الأرضية ، له الحق الكامل - حسب القانون الإلهي والقانون الأرضي وقانون الأمم المتحدة - أن يعيش بحرية وعزة وكرامة وأمن وسلام .

فالله تعالى يقول : ولقد كرمنا بني آدم .

والخليفة عمر رضي الله عنه يقول : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً

وميثاق الأمم المتحدة يقول :

المادة 1

مقاصـد الأمـم المتحدة هي:

1. حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.

وإذا تعرض أي شعب على هذه الأرض إلى الذبح والقتل – كما هو حاصل في سورية – على يد حكامه ، له الحق الشرعي والقانوني ، أن يطلب من الأمم المتحدة ، حمايته والدفاع عنه ، وعلى الأمم المتحدة واجب قانوني ، وإنساني ، أن تقوم بالدفاع عنه ، حسب الفصل السابع التي تقول بعض مواده:

المادة 39


يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاًً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

المادة 41


لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.

المادة 42


إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة".

ولمزيد من التفصيل يراجع الرابط التالي


وحتى نكون واثقين ، ومتأكدين ، أن هذا حقنا الشرعي ، والقانوني ، والإنساني ، يجدر بنا أن نتذكر حادثة رسولنا صلى عليه وسلم ، حينما رجع من الطائف ، مهيض الجناح ، مكسور القلب ، حزين النفس ، لما لاقاه ، من أذى وتكذيب بني ثقيف ، فلم يتمكن من دخول مكة المكرمة ، إلا بحماية أحد المشركين ، وهو المطعم بن عدي حسبما جاء في الرواية التالية:

حين رجع رسول الله – صلى الله عليه و سلم – من الطائف و قد يئس من خير ثقيف ، لبث في ( نخلة ) قرب مكة أياما ، فقال له زيد بن حارثة : كيف تدخل عليهم يا رسول الله و قد أخرجوك ، فقال له رسول الله – صلى الله عليه
و سلم – : ” يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرَجا ً ومخرجا ، و إن الله ناصر دينه و مظهر نبيه ” ثم انتهي إلى حراء فأرسل فيما يذكر ابن إسحاق إلى الأخنس بن شريق ليجيره .
فقال الأخنس : أنا حليف و الحليف لا يُجير ، فبعث إلى سهيل بن عمرو ليجيره ، فقال سهيل : إن بني عامر لا تجير على بني كعب ، فبعث رسول الله – صلى الله عليه و سلم – إلى مطعم بن عدي يقول له : ” أدخل في جوارك ؟ ” فقال مطعم : نعم ، و دعا بنيه و قومه فقال : تلبسوا بالسلاح و كونوا عند أركان البيت ، فإني قد أجرت محمدا ، فدخل رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و معه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام مطعم على راحلته فنادي : يا معشر قريش ، إني قد أجرت محمدا ً فلا يهجه منكم أحد.

نستخلص مما عرضناه آنفا ، أنه من حق السوريين شرعا ، وقاونا ، وإنسانية ، المطالبة بحمايتهم والدفاع عنهم من القتل ، وهذا واجب أمم الأرض كلها ، أن تبادر إلى ذلك ، وهذا ليس تدخلا ، ولا غزوا ، ولا احتلالا ، كما يزايد علينا أزلام النظام السوري ، ليخوفوننا ، ويشوهوا صورتنا ، ويضعفوا من عزيمتنا ، فليس من حق طاغية النظام ، أن يقتل الشعب على هواه ، والعالم يتفرج عليه .

فعلى كل أطراف المعارضة السورية الذين يتصدرون شاشات التلفاز ، وبالأخص أعضاء المجلس الوطني ، أن يقولوا بصوت واحد ، وبالفم الملآن ، دون تلعثم ولا وجل :

نعم نريد ونطالب ، بشدة وقوة ،بحماية شعبنا والدفاع عنه من الذبح والقتل الذي يمارسه المجرم بشار يومياً.