احرق النظام
السوري كل مراكب الانقاذ خلفه ولم يستمع إلى النداءات الموجهة إليه, أكانت
من داخل سورية أم خارجها, كما اقفل الابواب في وجه المبادرات, مهدرا كل
الفرص التي منحها له المجتمع الدولي, تاركا سورية تنزلق الى مصير أسود لا
يعلم الا الله أين ينتهي إذا استمر "الشبيحة" على سيرتهم الدموية هذه,
وكأنهم يعملون على تطبيق الطرفة السوداوية المتداولة بين العامة, حين سأل
احدهم رفيقه :لماذا كل هذا القتل في سورية? فأجاب: النظام يريد استبدال
الشعب".
ادعاءات النظام اليومية عن العصابات المسلحة والتخريبيين لم تعد تقنع احدا
في ظل صلافة القتل والاعتقالات التي تشهدها كل الاراضي السورية, فهي فبركات
مطبوخة في عتمة الغرف السوداء تمحوها صباح كل يوم شمس الرفض الشعبي لما
تبقى من النظام الذي سقط مع اول رصاصة اطلقت على المتظاهرين, ولهذا لم يبق
امام الرئيس بشار الاسد, اذا كان يريد انقاذ سورية(الارض والشعب) فعلا من
الوقوع في هوة الحرب الاهلية إلا ان يتمسك بالمبادرة العربية طوق النجاة
الوحيد المتبقي, ليس للنظام, انما لسورية التي يحرص العرب على ان تعود قلب
العروبة النابض, والا تقع فريسة التعنت السلطوي فتتحول الى موزاييك من
العنف والدم والحروب الصغيرة التي لا تبقي ولا تذر.
نظام دمشق يواجه اليوم حصيلة اربعة عقود من سياسة الانتحار البطيء التي
ادخلت سورية في متاهات التحالفات المخالفة للطبيعة العربية, وعدم الاستماع
الى أنين الشعب الموجوع من سلسلة الحصارات التي لا ينفك النظام يذهب إليها
طواعية متحصنا بالسجون والقمع والتنكيل كدرع تحميه من مواجهة النقمة
الشعبية ليس على تغيير طبيعة البنية السياسية والاجتماعية لسورية خدمة لتلك
التحالفات فقط, بل ايضا على الفساد الضارب اطنابه في كل مؤسسات الدولة .
الشعب السوري, كما يردد المتظاهرون"فاض به الكيل" وعيل صبره, وليست كل هذه
الملايين التي تخرج يوميا الى التظاهر مطالبة برحيل النظام الذي فقد كل
شرعيته الشعبية مندسة ومتآمرة وبات عليه ان يستمع الى صوت الحكمة الذي
يتحدث به كل العرب الان, وبيان المجلس الوزاري الخليجي الاخير الداعي الى
وقف آلة القتل ليس الا تنبيه الحريص على امن واستقرار سورية من مغبة الوقوع
في المحظور, لهذا بات على دمشق الرسمية الاقلاع عن السياسة الحمقاء في
مقاربة الامور, والا تطمئن كثيرا الى ما يشاع عن ان العالم لن يتدخل عسكريا
فيها, اذا استمرت آلة القتل في حصد مزيد من الابرياء, بل عليها ان تتعلم
الدرس من نظيرتها في ليبيا التي جلبت المزيد من التدخل الاجنبي الى الاراضي
العربية عبر امعانها في ارتكاب المجازر ضد ابناء شعبها.
العالم العربي ليس بحاجة الى مزيد من التدخلات العسكرية الاجنبية, ولذلك
فما على نظام دمشق الا استغلال المبادرة العربية لأنها آخر الفرص, اذ لن
ينفعه البكاء كالنساء على اطلال دولة كان يفترض ان يحافظ عليها كالرجال.

أحمد الجارالله