سوريا | قل موتوا بغيظكم !!! بقلم : د.أكرم حجازي

كل الثورات العربية نادت برحيل رأس النظام السياسي عبر الكلمة السحرية « إرحل». وكلها تعالت فيها صيحات التهليل والتكبير دون أن يتهمها أحد بثورات طائفية. أما الثورة المصرية فكانت سيدة الهتافات وصاحبة الشعار الأبلغ تعبيرا، والأوسع انتشارا، وهو ينطلق من على عتبات مقر نقابة المحامين: « الشعب يريد إسقاط النظام». ورغم بريق الشعار وجاذبيته؛ يبقى القول أن لكل ثورة إبداعاتها فيما رفعته من شعارات تميزها .. تميز يعكس مبعث الثورة إنْ كانت رغبة في الكرامة ( تونس) أو تعبيرا عن الغضب ( مصر) أو انعكاسا لواقع فاسد ( اليمن) أو ثأرا من مسخ استبد بكل حي وميت ( ليبيا).*
وفيما خلا الشعارات التقليدية والأناشيد المميزة التي رفعتها الثورة السورية، إلا أن أمْيَز الشعارات أو الهتافات كانت تلك المتصلة بالتوحيد. فما من ثورة عربية دفعت المحتجين فيها إلى الصدح بشعارات توحيدية صريحة أو مرتبطة بالتوحيد ارتباطا مباشرا كما فعلت الثورة السورية .. شعارات وهتافات لم يبدعها الشعب بقدر ما فرضت نفسها عليه فرضا، وشقت طريقها إلى العلن دون أية عقبات إلا من المتنطعين الذين رأوا الطائفية فيها ولم يروها في النظام وشعاراته.*
أما أولها فصاحت عاليا: « الله .. سوريا .. حرية وبس»!! وثانيها نادى أن: « لا إله إلا الله»!! وثالثها هتف: « واحد واحد واحد الله واحد»!! وآخرها أعلن متحديا: « لن نركع لغير لله»!! هتافات تعبر عن عقيدة أمة تؤمن بوحدانية الله، وتعظم خالقها، ولا ترى في غيره ملاذا تلجأ إليه أو تحتمي به .. هتافات شعبية فطرية، ليست مؤطرة في أية سياقات سياسية أو حركية أو أيديولوجية، بحيث يمكن توظيفها، من قبل النظام أو من أية جهة خصيمة أو مغرضة، لرمي الثورة بالطائفية أو التطرف.*
بالمقارنة؛ فإن إعلام النظام، وهتافات مناصريه، ولغة أبواقه الإعلامية، لا يمكن تصنيفها إلا في سياق الدرك الأسفل من الطائفية المنحطة، كتلك التي نقلتها صحيفة « كريستيانس ساينز مونيتور 14/8/2011» الأمريكية، في مقالة لها بعنوان: « الإسلاميون والعلمانيون بالإعلام الأميركي ». وكغيرها من وسائل الإعلام والشرائط المرئية نقلت الصحيفة عن « الشبيحة» وجنود النظام خلال مهاجمتهم لمدينة حماة، هتافات تنادي بأنْ: « لا إله إلا بشار»!!! أو « يسقط الله ويحيى الأسد» .. هتافات صنفتها الصحيفة في إطار « التطرف العلماني»!!! فأي علمانية هذه التي تتجرأ، في بلد إسلامي، على الله عز وجل بما هو أوقع على النفس أثرا من الكفر ذاته؟
ليس غريبا على صحيفة، لا تتسع لغتها لغير مفردات اللبرالية والعلمانية والمصالح، ألاّ تستمع إلى « الشبيحة» وهم يتغنون شعرا بربوبية الأسد على فضائيات النظام السوري، حين قال أحدهم: « البعث ديني وربي بشار الأسد» !! وألاّ تلقي لهم بألاّ وهم يتسابقون إلى سجود جماعي على صور الرئيس السوري، وألاّ تتوقف عند تدمير المساجد وتدنيسها وكتابة عبارات الكفر الصريح على جدرانها، وألاّ تعاين المدن السورية وساحاتها وميادينها وطرقها وهي تعج بالصور الضخمة للرئيس وتماثيل والده من قبل.*
ليس غريبا أبدا!!! فما لا تعرفه الصحفية أن ما نقلته عن « الشبيحة» وأمثالهم ليس سوى شعارات طائفية تعكس، في الصميم، عقائد طائفة معادية للإسلام منذ نشوئها وإلى يومنا هذا، فضلا عن أن الطائفية، بخلاف حال النظم الأخرى، هي الهوية الوحيدة للاستبداد المستوطن في سوريا .. فيا « كريستيان ساينس مونيتور»: اعلمي أن المسلمين عامة والشعب السوري خاصة يعلمون علم اليقين أن كل ممارسات النظام طائفية من الألف إلى الياء. وكل تصرفات أدواته ومجرميه وحلفائه من الفرس وأمثالهم طائفية حتى النخاع .. حقيقة لا تتغير حتى لو تبرأت فئات من الطائفة من استبداد النظام. إذ أن موقف الطائفة يُحْمَل على انحياز العامة منها للنظام أو صمتها عليه، وليس على من أدانه أو نأى بنفسه عنه.
أما لماذا كل هذه الكراهية والتطاول على الله عز وجل، وقتل الناس بأوحش الأساليب والصور؟ فالجواب، كما سبق وأشرنا في تأملات*الفاضحة، يقع في صلب العقيدة. إذ أن النصيرية، عند أهلها، عقيدةً وليست أيديولوجيا أو تطرفاً علمانياً. فالطائفة لا تؤمن بالله ولا بالجنة ولا بالنار ولا بالبعث ولا بحلال أو بحرام .. وفي مثل هذه العقائد تستوطن وحشية النظام وأدواته القاتلة، لاسيما وأنهم يعتبرون الدنيا هي الجنة والنار .. أي لا حسيب ولا رقيب.*
القول الصريح في الشعارات التي رددها أهل السنة؛ أنها التعبير الوحيد الذي لا يمكن أن تستحضره فطرة أمة إلا لتؤكد على عقيدة التوحيد في مقابل عقيدة الكفر، لطائفة أكثر ما يستفزها في هتافات الثورة السورية صيحات التكبير!!! فإنْ كانت النصيرية تؤله بشاراً، وتسجد له، فلا تتوقع أن تسمع من المسلمين إلا ما يصم الآذان: « واحد واحد واحد الله واحد»، أو يغيظ القلوب: « الله أكبر»، أو يربط اللسان عن: « لا إله إلا الله» وحده لا شريك له. وإنْ كانت تصرّ على حمْل المسلمين على شرائعها بالقوة المسلحة، فلن تجد إلا جوابا واحدا: « لن نركع لغير لله». أما إذا كانت مثل هذه الهتافات، التي تعكس حقائق صراع مرير يعيشه مسلمو سوريا منذ عقود طويلة، دعوات طائفية وليست مطالب سياسية، كما يرى أحد أبواق النظام، فليقل لنا ماذا يكون الكفر بها إذن؟*
العجيب ليس ما جاءت به الصحيفة الأمريكية، على جهل منها، بل ما يقول به البلهاء، على علم منهم، وهم يتبجحون على الفضائيات في حوارات عقيمة، تحذر من الهتافات الدينية باعتبارها دعوات طائفية تؤثر في مسار الثورة وحشد التأييد الدولي لها!!! سبحان الله!!! هؤلاء وأمثالهم يستكثرون على المسلمين فطرتهم، وفي نفس الوقت يَعُز عليهم الاعتراف بوحشية الطائفة إكراما لبعض المعارضين منها للنظام، بينما يهون عليهم جرائم نظام طائفي يطعن بالتوحيد على الفضائيات بلا أي رادع يذكر.
لهؤلاء وللنظام وأدواته الطائفية وحلفائه نقول بصراحة: المجتمع السوري ليس طائفيا، وأهل السنة بالذات لا يمكن أن يكونوا كذلك. لذا لن نقول لكم إلا ما قاله رب العزة: « قل موتوا بغيظكم»، فلن نؤمن إلا بما آمن به الشعب السوري، وردد: « واحد واحد واحد الله واحد»، و « لا إله إلا الله»، و « الله أكبر» وإن رغمت أنوف.

من تويتر.