د. سربست نبي -- سدنة العروبة و مشعوذوها الجدد
المجموعة: مقالات مختارة
نشر في الإثنين, 08 آب/أغسطس 2011 10:19
كتب بواسطة Super User
الزيارات: 28
الكل ضد الكورد, جبهة عريضة تضم العروبيين العنصريين, والبعثيين
والإسلاميين, وأنصاف الليبراليين, وسلطة الاستبداد, وتجار المعارضة ...الخ.
إنهم يختلفون في كل شيء إلا
في هذا العداء للكورد وقضيتهم, إلا أن المصيبة لا تكمن هنا فحسب, وإنما في
واقع أن الكورد أنفسهم هم ضد أنفسهم وضد مستقبلهم, وبهذا يصطفون إلى جانب
أعدائهم دون وعي منهم, أو بوعي انتهازي وضيع.
السذج فقط يلهثون وراء شعارات الإسلاميين والعروبيين في التغيير. فهؤلاء
أبعد مايكونوا عن مطلب التغيير الحقيقي. إذ لم يكونوا في يوم من الأيام
مؤيدين حقيقيين للديمقراطية, ولا للتعددية, ولا للعلمانية. وهذه المطالب
الثلاث هي أثافي التغيير الحقيقي والمنشود في سوريا, التي من دونها لايمكن
إنجاز الحداثة السياسية في البلد. إن الغاية القصوى التي يتطلع إليها هؤلاء
من وراء التغيير هو تداول الغنيمة والاستحواذ على كرسي السلطة في دمشق, مع
الحفاظ على كامل التراث العنصري العروبي والطائفي للسلطة في سوريا.
واهم من يعتقد بأنه يمكن أن يكون هناك نظام ديمقراطي حقيقي في سوريا غير
علماني, وأكثر وهماً, وأكثر وهماً من يتحدث عن مساواة حقيقية بين السوريين
دون نظام علماني, ومخادع أو ساذج من يظن أنه يمكن للكورد السوريين أن
يتساووا مع غيرهم من مواطنيهم دون علمنة النظام السياسي في سوريا مستقبلاً.
وبعبارات تالية, الحكومات الدينية كانت على الدوام حكومات منافقة, كاذبة,
مارقة. و طوال التاريخ فأن جميع الحكومات التي ادعت أنها دينية ومقدسة أو
ممثلة للدين كانت الأشد نفاقاً وقسوة, والأسوأ بين جميع نظم الطغيان. ولهذا
لايمكنني بأيّ حال من الأحوال أن أتخيل نفسي محكوماً من سلطة أو نظام
سياسي يزعم الوصاية عليّ وعلى مصيري وضميري انطلاقاً من أيديولوجية مقدسة
ما.
لقد استعار العروبيون في هذه البرهة لسان الثائرين, واستولى الإسلاميون
على صوتهم واستأثروا به, محتكرين المنابر الإعلامية إلى حدّ كبير. من هنا
اتخمت الشاشات بالوجه النمطي الواحد لهؤلاء والصوت الوحيد. وأقصيت الأصوات
الأخرى للسوريين, بل أخرست, وبموازاة ذلك غيّب الصوت الكوردي أو غاب وتبددت
ملامحه. وتلكم هي سمات الخطاب الإعلامي حول الثورة السورية فأين نحن
منها.؟؟؟
مجدداً أخذت مسألة التعددية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تكتسب أبعادها
السياسية كمحور رئيس للمواقف المتناقضة والمتصارعة للأطراف المنخرطة في
الصراع, التي تسعها إلى فرض سماتها وخصائصها على مسارات التغيير في
المنطقة, وبخاصة في سوريا. وهي تريد من خلال ذلك أن تطبع التغيير بطابعها
الخاص. والسؤال في السياق السوري الخاص يتعلق بإمكان بقاء المجتمع السوري
واحداً دون قسر أو فرض هوية عرقية أو دينية محددة دون غيرها عليه, أم يقود
هذا هذا النزاع إلى الانقسام السياسي والثقافي والأيديولوجي بين السوريين؟
قوام العقل العروبي, كما تجلى في خطاب البعث وسواه, هو الإقصاء. فهو
يستلهم تقاليده الذهنية من خبرة جمعية تاريخية هائلة تراكمت من تجارب الغزو
والنهب والاستيلاء و( الأنفلة) و(خراب العمران) مثلما سبق وأن نوّه بهذا
عبقرية فذّة مثل ابن خلدون قبل قرون عديدة. من هنا خرج علينا بعض سدنة
العروبة مجدداً يحملون صحائف العروبة وراياتها لإرغام الثورة السورية على
الخضوع لها والتطبع بها مجدداً.
أعلن غسان االإمام النفير في ( الشرق الأوسط/12 تموز2011) للذود عن حمى
العروبة المهددة. وعبر عن هواجسه وقلقه على مستقبلها في سوريا. وهو
يرى(معارضات الداخل والخارج تتبنى قضية الحرية والديمقراطية, وتعزلها عن
الانتماء القومي العربي الذي طبع سوريا بالذات, دون سائر النضالات منذ أكثر
من مائة عام) ويختتم ناصحاً( تخطئ المعارضة السورية, إذا خلقت إشكالية في
العلاقة بين الديمقراطية والعروبة القومية, سوريا تفقد استقلالها,
استقرارها, أمنها, دورها, بلا عروبة ديمقراطية...عروبة ديمقراطية صافية,
وحقيقية هي وحدها القادرة على السمو بسوريا, فوق تناقضات السياسة, والدين,
والمذهب, والعرق....وهي الضمانة للحقوق السياسية والثقافية للأقليات على
قدم المساواة مع الأغلبية). في الأسطر المعدودة هذه يقع منظر( العروبة
الديمقراطية الصافية!!!) في الكثير من المغالطات السياسية والتاريخية وحتى
المنطقية, ويزج بنفسه في أوهام أيديولوجية وتخاريف سياسية فقط كي لايعترف
مباشرة بأن التعددية في سورية ليست أقلّ واقعية عن أية ظاهرة سياسية أو
تاريخية أخرى. وهي مستقلة عن جميع تلك المصادرات الأيديولوجية النمطية التي
تعشعش في رأسه, ويريد فرضها على المجتمع السوري. فهذه التعددية ينبغي
الأخذ بها كبداهة تاريخية وثقافية, دون البحث عن الذرائع السياسية
والبراهين لإثباتها كأية بداهة تاريخية وثقافية أخرى.
وبخلاف المنطق السياسي السليم الذي يقول, إن اختزال الدولة ذاتها في
أيديولوجية قومية ما أو هوية عرقية إنما تضع نفسها بمواجهة المجتمع التعددي
ككل, وتخلّ بمبدأ المساواة بين مواطنيها المختلفين. يشترط منظّر( العروبة
النقية, الطاهرة..الخ) علاقة مطلقة بين العروبة والديمقراطية, وكأن الأخيرة
ستفقد نسبها الشرعي, وتغدو أيديولوجية لقيطة من دون هذا الانتساب, هنا
يعيد السيد غسان الإمام إنتاج نمط جديد من خطاب ( الموالي) على الصعيد
السياسي, ولعله يقول في مرحلة تالية من التصعيد الأيديولوجي, إن الثورة
الفرنسية وجميع الديمقراطيات الغربية هي غير شرعية مالم تجد لنفسها نسباً
شرعياً في العروبة.
إن تاريخ سوريا هو ليس فحسب تاريخ عرق بعينه أو دين أو مذهب دون سواه. إنه
بخلاف ذلك تاريخ كل هذا التنوع والتعدديات الثقافية والاجتماعية. والحياة
الوطنية الحقّة ستبدأ في البرهة ذاتها حينما تكفّ كل جماعة أو فئة عن
المطالبة بجعل هويتها أو عقيدتها هي الوحيدة السائدة.
وبعيداً عن هذه الوصاية والغطرسة القومية التي تستحكم بذهن الكاتب, ينبغي
للمجتمع السوري, بتنوعه التاريخي القائم وتعددياته الثقافية والقومية, أن
يكون هو المرجع المباشر والوحيد لمفهوم المواطنة الجديدة, عوضاً عن مفهوم
الجنسية العرقي المتخم بالهوية العنصرية. فهذا المفهوم المستلب في هوية
عرقية أكثرية, وحتى دينية كان, ولا يزال, يختزل في نفسه وهم العمومية
الوطنية, وهو الذي أضرّ كثيراً بالحياة المشتركة والمساواة, وقد تكرّس
بالفعل على حساب الواقع الاجتماعي والتاريخي الذي غيّب إلى أقصى حدّ. وكان
رافعة الاستبداد السياسي في كل مكان.
وبحماسة قومية وجلجلة يحسده عليهما حتى( دون كيشوت) راح الكاتب الفلسطيني
رشاد أبوشاور يطلق العنان لصراخه العالي(سورية: عربيّة عربيّة عربيّة) (
القدس العربي 19/7/2011) في وجه طواحين القائلين بالتعددية والتنوع في
سوريا علّه يرهبهم ويردعهم عن دعواهم. يقول أبو شاور: أكتبها ثلاثا: عربيّة
عربيّة عربّية تأكيدا، وتأكيدا للتأكيد، وهي ستبقى قلب العروبة النابض رغم
أنوف أعداء الأمّة العربيّة.
العروبة هوية تجمع سورية بأخواتها العربيّات من المحيط إلى الخليج، وهي
ليست طارئة على سورية، وهي تحضنا نحن ملايين العرب المؤمنين بها على إنجاز
الوحدة العربيّة، لأنها ضرورة وجودية، فيها مصلحة لكل فرد، ولكل قُطر،
وفيها قوّة ونهوض على كافة الصعد: سياسيّة، واقتصادية، وثقافية، ووجودية ـ
من الوجود، واستمرار الوجود، وهذا نقيض الاندثار والزوال ـ لا استعلاءً على
الآخر، ولكن صونا للنفس، وامتلاكا للدور بين الأمم المتصارعة على السيادة
في زمن (العولمة)، والتكنولوجيا، والاقتصاد المستقل غير التابع، والذي لا
يقوم على بيع (النفط) وانتفاع قلّة بعائداته، بينما الأمة تغرق في الفقر،
ويعاني ملايين أبنائها من الفاقة.
أكتب هذا الكلام، وأنا أرى كيف انسحب ممثلو (الأحزاب) الكردية السورية من
مؤتمر (المعارضة) في اسطنبول، احتجاجا على تسمية سورية كدولة باسم:
الجمهورية العربيّة السورية! فماذا يريدون لسورية أن تكون؟ ولمن يريدونها
أن تنتمي؟!
قادة الأكراد في العراق، باتفاق مع زملائهم في (المعارضة) الأمريكية،
انتزعوا مناطق الشمال وسموها: كردستان العراق..وقيادتهما الطالبانية
والبرزانية، بالحزبين اللذين يتقاسمان تلك المنطقة غير المتحدة حتى يومنا
هذا، يستأثران بالرئاسة العراقية، ووزارة خارجية العراق، ويستمتعان
بجمهورية العراق التي نزعا عنها هويتها، وصفتها، بل ووحدتها الإقليميّة،
ويصارعان على انتزاع تكريت لتكون العاصمة، ليس لقداستها، فلا أنبياء في
تكريت، ولكن للنفط المتدفق من آبارها نبوّة دولاريّة، والصراع الطالباني
البرزاني هو على عائدات النفط، وهذا لن يكون بغير وضع اليد على كل مقدرات
شمال العراق حيث تعيش أكثرية كردية!
تريد أحزاب أكراد سورية، ونسبتهم في سورية لا تزيد عن 4' أن تحرم 96' من
أن ينتموا للأمة العربيّة، وتعزلهم عن أمتهم، إرضاءً لمليون كردي.
قادة الأحزاب الكردية لا يشعرون بالحرج وهو يسلكون هذا السلوك المتطاول
على أمة عريقة لم تناصبهم العداء، وإن كانت بعض الأنظمة قد أساءت لهم، مع
التذكير بأنهم في تركيا لم يسمح لهم بتكلم لغتهم وشفويا إلاً بعد أيّام من
بدء العدوان على العراق عام 2003، وهم محرومون من حق التكلم بلغتهم في
إيران حتى يومنا! والأكراد هناك أضعاف أضعاف الأكراد في سورية، ومع ذلك فلن
يجرؤوا على مطالبة إيران وتركيا بتبديل اسميهما وهويتيهما!
وحتى لا نفهم خطأ، فإنني أعود لأذكّر بأنني كنت دائما مع استقلال وحرية
الأكراد، فهم شعب مظلوم، مضطهد، وليس من العدل أبدا أن يحرموا من التعبير
عن هويتهم، وأن لا يعيشوا في هذه المنطقة مثلهم مثل العرب، والأتراك،
والإيرانيين، وأن تكون لهم دولة تقع بين هذه الأمم، فهم من هذه الأرض
وليسوا غرباء طارئين، والعرب هم آخر أعداء الأكراد، بل هم أول أصدقاء
الأكراد، والأقرب إليهم، واستقلالهم لن يؤثر على حاضر ومستقبل الأمة
العربيّة، فهم في مناطق تقريبا واضحة وليست متداخلة كما هو الأمر في إيران
وتركيا.
إذا كان هناك بين (المعارضين) الذين يجتمعون في تركيا، من يوافق على تثبيت
اسم سورية كدولة بـ: الجمهورية السورية.. فإنه سيوافق على إخراج سورية من
دورها، وسيضعها في موقــــع المتخلّي تماما عن فلسطين (سورية الجنوبية)،
وينتقل بها من دور (الداعم) للمقاومة في لبنان (حزب الله)، بل والمتآمر
عليه، وهذا أمر بات مفضوحا، فبعض من هم محسوبون على (المعارضة) يركزون
نيرانهم على حزب الله، ويتهمونه بأنه يرسل مقاتليه وقناصته لقتل السوريين!
هنا لا بد أن نضع هذه الحقيقة أمام أبناء وبنات أمتنا: إن ثورة، أو
انتفاضة، أو حراكا شعبيا..في أي بلد عربي، لا يضع فلسطين في قمّة أولوياته،
لا يمكن إلا أن ينحرف، وتسرق ثورته من الانتهازيين،
هل يريد قادة أكراد سورية أن تكون سورية عراقا آخر؟!وهل من شروط هذه
(السورية) أن لا تكون عربيّة صونا لمشاعرهم الكردية، بينما يباهون هم
بكرديتهم وانتمائهم للكرد أينما كانوا؟!
سورية ستبقى وفيه للجولان التي لن تعود بالتخلّي عن العروبة، والتي لن
تعود إلاّ بالعروبة، وستبقى معركة سورية في الجولان هي معركة فلسطين، وهي
ليست معركتها وحدها، فهي معركة استرداد سيناء حرّة بدون قواعد أمريكية
تتجسس للكيان الصهيوني، لأن معارك الأمة تبقى دائما واحدة.
إن معارضاً سورياً لا يؤمن بعروبة سورية، بجمهورية عربية سورية ..هو أي
شيء، ولكنه لن يكون معارضا حقيقيا حريصا على بلده، وانتماء بلده، ووحدة
بلده، ومستقبل بلده، وكرامة شعبه العربي السوري العريق!) ( انتهى كلام أبو
شاور)
لبذخ الهراء والهذيان الموجودان في مرافعة رشاد أبو شاور يتعذر اختصارها
إلا قليلاً, وبهذه الحال يمكن عدها عينة مثالية لنكبة الوعي العروبي
وبؤسه. والحق أنه يستحق الحسد على البلاغة العنصرية لديه. فهذه المرافعة
تجسد النموذج الأمثل لأشدّ أشكال السفسطة السياسية البدائية تطرفاً, ناهيكم
بما تنطوي عليه من كراهية عرقية تعسة وفجّة غارقة في الذاتية. إنه يؤسس
قوله, نظير غيره من مشعوذي تعويذة ( الأرض تتكلم عربي), على منطق الاغتصاب
وإنكار حق الآخرين في الوجود, وعلى الاستعلاء والغطرسة القوميتين. وفي هذا
يشترك معهم في الاعتقاد إن الله خلق الأرض والسموات لتسبح في فلك العروبة
وتحمد باسمها وحدها.
مثل هذه المرافعة من العبث الردّ عليها من الداخل ووفق منطقها, لأن في ذلك
ورطة كبيرة للابتذال, وسقوط في فخ الضحالة والدجل السياسيين. ثم أن
المناقشة والحوار يتمان عادة مع تلك الآراء ووجهات النظر التي تنطوي على
قدر معين من التشويه للحقائق والمغالطات والانحرافات الفكرية, وعلى الحد
الأدنى من البناء المنطقي المنظم, أو تلك التي تحتمل حدّاً معيناً من
الصواب. غير أن نص السيد أبو شاور يمثل التشويه المطلق بعينه, ويعدّ
بطلاناً محضاً, إنه الوهم والخرافة والكذب والخداع واللغو والهراء كله
مجتمعاً في وعيه المسجّل والموثق هنا. ويراد به أن يكون ثقافة ومعرفاً
وموقفاً بالنسبة لنا.
ابن أبي شاور يبدو عاجزاً تماماً, مثل نظائره, عن الانفتاح على الآخرين
والاعتراف بوجودهم. ويبرهن هذيانه الصارخ( عربية, عربية, عربية) على غياب
اليقين لديه بوجوده القومي أيضاً. التعددية في سوريا ليست بحاجة إلى اعتراف
من أحد, حتى ولو زعق ابن أبي شاور مليون مرة ناكراً, ليس من فمه وحسب,
وإنما من أيّ مخرج آخر!!! لأنها حقيقة قائمة بذاتها ليس لسورية أن تكون من
دونها. وهذه التعددية ليست شيئاً مصطنعاً يضاف إلى المجتمع السوري من
خارجه, كما يحاول الإيحاء به, بل هي سمة رئيسة وأصيلة لتاريخ سوريا القديم
والحديث. وقد تمظهر هذا التاريخ على هذا النحو حتى مقدم العروبيين(ناصريين
وبعثيين) الذين اعتبروا التعددية شرّاً مفروضاً على المجتمع السوري يهدد
انسجامه العروبي. من هنا سعوا بدأب إلى تعريب سوريا تماماً وسلب خصائصها
الثقافية والتاريخية المتنوعة, واختزالها في ثقافة أيديولوجية ذات بعد
واحدة.
إن مسألة التعددية الثقافية والتعايش ليست مجرد مسألة سوسيو أخلاقية, كما
يريد ابن أبي شاور أن يظهر من خلالها نفاقاً أخلاقياً حول قبوله بوجود
الكورد لينكر حقهم القومي في الوجود. إنما هي أكثر من ذلك سياسية بامتياز.
لأنها تمثل بحثاً في الشروط السياسية للمساواة, وتهدف إلى تفكيك مركزية
أيديولوجية ما تتجاهل الواقع الموضوعي القائم وتتنكر له. وبالتالي تتنكر
لواقع أن هنالك آخر له نصيب مستلب من الحق في الوجود. وهذا الحق في الوجود
ينبغي أن يكون مساوياً في الحضور وفي ممارسة الذات الجماعية بصرف النظر عن
وجود أكثرية أو أقلية عددية.
سوريا المستقبل لاتستطيع البقاء والاستمرار دون هذه التعددية, والسبيل
الوحيد لهذا البقاء هو الإقرار بأصالة هذه التعددية, وأصالة الهويات
السورية المختلفة والمكونة للمجتمع السوري. وهي لا تحتاج إلى اعتراف منظري
العروبة وسدنتها ولا إلى تبريراتهم الزائفة لأن من شأن ذلك أن ينتقص من
أصالتها وحقيقتها. بيد أن هذه الحقيقة ماتزال, كما يبدو, بحاجة إلى فهم
وتفسير لطبيعة وجودها بالنسبة للبعض.
وكعادته في ممارسة المراوغة الكلامية وامتهانها راح الإعلامي المعروف فيصل
القاسم يشارك في قداس العروبيين في الشعوذة السياسية والتاريخية. ويبدي
خشيته على عروبة سورية المهددة. في مقال( الوحدة الوطنية خط أحمر)(
24-7-2011 ) يفتتح القاسم موعظته تلك بمقدمة من النماذج السياسية يقدّها
على هواه, ويسوقها بمنطق لايكترث بأية معايير علمية كي يصادر على المطلوب.
والحق أن الوقاحة النظرية و الديماغوجية التي تحلى بهما ابن أبي شاور
ونظيره فيصل القاسم لم أجد نظيراً لهما في أي مكان آخر. يقول القاسم
(....وكم كان بعض المعارضين السوريين مغفلين عندما نادوا في أحد مؤتمراتهم
الأخيرة بنزع الهوية العربية عن سوريا، لا بل إن البعض خرج من المؤتمر
احتجاجاً على تمسك المؤتمرين بعروبة
سوريا.
متى يفهم هؤلاء أن تصرفهم الأحمق هذا لا يصب في مصلحتهم أبداً، ولا في
مصلحة الثورة، فالأكثرية السورية ترفض ذلك رفضاً قاطعاً؟ ". متى يفهم هؤلاء
المعارضون أن كل الأقليات في الغرب تلتزم بهوية الأكثرية مع حفظ الهويات
الأخرى في إطار المواطنة؟ هل تستطيع أي أقلية دينية أو عرقية في أوروبا أن
تطالب بنزع الهوية الأوروبية عن الانجليز أو الفرنسيين؟ بالطبع لا. لا يمكن
أن تطلب أي أقلية من الفرنسيين أن يتخلوا عن أوروبيتهم، كما فعل بعض
المعارضين السوريين مؤخراً، حيث طالبوا بنزع الهوية العربية عن سوريا. وإذا
كان هؤلاء يريدون أن يفعلوا ما فعلوه بالعراق، فالوضع هنا مختلف تماماً،
فليس هناك في سوريا محتل وغاز أمريكي ليساعدهم في تحقيق مخططهم التفتيتي.
فالشعب السوري لم ولن يستعين بالغزاة، وهو الذي سينال حقوقه، ويكسر قيوده
بنضاله السلمي دون دعم خارجي كما فعل بعض العراقيين، وهو متمسك بهويته إلى
آخر قطرة من دمه، بينما في العراق ما كان للانفصاليين أن يحققوا أحلامهم
الانفصالية لولا دعم وتشجيع المحتل الأمريكي
.
وليعلم المشاركون في الثورات الذين تراودهم أحلام انفصالية أقلوية بأن
تصرفاتهم لا تصب في مصلحتهم أبداً، فلا ننسى أن أكبر خدمة يمكن أن يقدمها
الثوار في تلك البلدان للحكام الساقطين والمتساقطين هو رفع شعارات ومطالب
عرقية وطائفية وقبلية قد تجعل الشعوب تترحم على أيام الساقطين...)
هنالك رهاب ( فوبيا) عام يشترك فيه جميع سدنة العروبة الجدد من تكرار
تجربة كوردستان العراق. ومعظمهم لديه جهل مطلق بالتاريخ عموماً, وبالتاريخ
السياسي لكفاح الشعب الكوردي خصوصاً في كوردستان العراق. وفي الحالة
المعاكسة, إذا افترضنا فيهم المعرفة التاريخية الرصينة, فلا يمكننا القول
عنهم, سوى إنهم رهط من قراصنة الكتابة السياسية المخاتلين اللذين أبعد
ماتكون الحقيقية من مقاصدهم. ولهذا السبب نجدهم يحشدون الوقائع بطريقة
رديئة ويعيدون تنظيم الحقائق على نحو مضلل ومزيف, وقراءة القاسم في أحسن
الأحوال لا تخرج عن هذا الاتجاه المريب في التعاطي السياسي مع الوقائع
التاريخية والحقائق. لكن الذي يعنينا في هذا السياق هو مقاربته لمسألة
الأكثرية والأقلية بتلك الطريقة العسفية, ومطالبته للآخرين بالخضوع لدين
العروبة والدخول فيه أفواجا. وهو هنا يحاول تقديم صورة عن الموقف السياسي
للكورد السوريين وكأنهم مجموعة بدو يخيمون على مضارب قبيلته ويتحينون حلول
الظلام كي ينقضوا عليها ويلحقوا الدمار والخراب بها. هكذا يتخيل العقل
السياسي للعروبي فيصل القاسم مقاصد الآخرين السياسية. دون أن يتفهم حقوقهم
ويعترف بها, حاله حال الآخرين من أشباهه. ففي صميم قناعته أيضاً تقوم مسلمة
الإنكار والجاهل للواقع الموضوعي والتاريخي. نعني واقع التقددية القومية
والدينية. وهو على منوال غلاة العروبيين والإسلامانيين, الذين ينطلقون من
مركزية الهوية العرقية يسعى إلى فرض هوية محددة دون غيرها على هذه
الجغرافية السياسية, على اعتبار أن التعددية هي عارضة من وجهة نظره. وليست
الوجه الحقيقي و المشهد الأصيل الذي يحاول التنكر له وتزييفه.
حتى هذه اللحظة ليس ثمة بينة أو قرينة تنبئ عن استعداد المعارضة العربية
السورية, أو المعارضين العرب السوريين, على الاعتراف بالحقوق القومية
للكورد السوريين, وعلى الاعتراف بشكل صريح بوجود مسألة قومية في سورية ,
ومن ثم إعلان القطيعة مع ميراث البعث العنصري وسياساته الإنكارية تجاه
الكورد وقضيتهم. وهذه القوى حين تجد نفسها مرغمة على الحديث عن الشأن
الكوردي السوري إنما تتحدث بطريقة عمومية وضبابية أقرب ما تكون إلى تصريحات
وزراء أعلام حكومة البعث وناطقيه.
إن الاعتقاد بسوريّة القضية الكوردية والاعتراف بها, من جانب هؤلاء, لا
ينبغي أن يقوما على أساس وعي عروبي مجرد, وإنما من خلال وعي سوري مشخّص.
وعي بالمواطنة القائمة على الاختلاف والإقرار بالتعددية السياسية
والتاريخية والثقافية. وهذا الاعتقاد لا يكون ممكناً إلا عبر الإقرار
الدستوري والسياسي أن هويّة سورية السياسية ليست عربية فقط, ولا ينبغي أن
تكون عروبية كذلك، إنما هي تعددية. وينبغي لأيّ نظام سياسي محتمل أن يستمدّ
شرعيته من المجتمع السوري بتنوعه القومي والثقافي والاجتماعي والتاريخي
القائم, وأن يجد أسسه الواقعية في هذا التنوع ويعكسه في مبادئه العامة.
وعادة ما يكون الدستور هو الناظم لهذه المبادئ العامة ولعلاقاته. ولهذا من
العدل تماماً أن ينصّ الدستور السوري مستقبلاً ويحدد بوضوح أن الدولة
السورية هي دولة متعددة القوميات، وأن العرب والكورد يمثلان القوميتين
الرئيستين. إلى جانب الاعتراف بحقوق الجماعات القومية الأخرى كـ
الكلدو-آشوريين وغيرهم. وأن على أيّ دستور ديمقراطي محتمل لسوريا أن يقرّ
بالتساوي التامّ بين العرب والكورد في المكانة والدور, وفي الحقوق
والوجبات, كمدخل عادل ورئيس لحلّ القضية القومية للكورد في سوريا. وعليه أن
ينصّ كذلك بأن البرلمان، أو أيّة سلطة أخرى, لا يملك حق المساس, بهذا
المبدأ, أو يحدّ من شموليته ومن تحققه في كلّ مناحي الحياة السياسية أو
الاجتماعية، وأن أيّ قانون يمسّ هذا المبدأ أو وجاهته يطعن في دستوريته,
ويعدّ مخالفاً لعقد التأسيس والشراكة, وباطلاً في نهاية المطاف.
الانتماء لسوريا هو أعدل الأشياء بيننا, هذا ما ينبغي إعلانه والتأكيد
عليه. وبكل المعايير ليس هناك ممن هو سوري أكثر من سواه أو أقلّ سوريّة.
سورية هي للجميع دون تفاوت أو تفاضل. ولا معنى لحرية أيّة جماعة من دون هذه
المساواة بين الكل. وعلى أيّ نظام سياسي محتمل يتصدى للتغيير أن يبرهن على
أرض الواقع, وبصورة عملية, أن سوريا هي كورديّة بمقدار ما هي عربية,
وعربية بمقدار ما ستكون كوردية. وهي في الآن نفسه ليست كوردية, أو لن تكون
كذلك, بمقدار ما لن تكون عربية وحسب. وعدم القبول بهذه البداهة السياسية
والثقافية سيقود المجتمع والدولة مجدداً إلى الخضوع لطغيان فئة أو جماعة
عرقية, ويستبعد البقية.
إن طموح الكورد في المواطنة التامّة والمساواة الحقيقية لا ينبغي أن يفهم
على أنه اختراع أيديولوجي أو سياسي, إنما هو شرط سياسي وتاريخي لكمال
الدولة السورية ونضجها، ومقدمة لشرعيتها و استمرارها, وتجسيدها لوحدة إرادة
السوريين جميعاً. وهذا هو الجواب الحقيقي على السؤال التاريخي الكبير: هل
الكيان السوري سيظلّ صالحاً لبقاء الكورد فيه أحراراً, ومتساوين مع غيرهم,
دون قسرٍ، أو إنكار, أو إكراه, أو إرهاب؟ وكيف؟ هنا تبرز أهمية تكريس
القناعة التالية, إن حرية الكورد ومساواتهم في سوريا هي شرط لحرية جميع
السوريين ومساواتهم. ذلك أن قضية حرية السوري بوجه خاص, وحرية السوريين
بوجه عام، تتصل عميقاً بمسألة مساواة السوريين جميعاً على اختلاف
انتماءاتهم, فإن لم يتساوَ الجميع يغدو الحديث عن حرية السوريين لغواً
فارغاً.
إن كمال التحرر السياسي للدولة السورية, وبروز دولة المواطنة الشاملة
والقوانين المدنية الموحّدة, التي تنفي كل إمكانية لممارسة القهر السياسي
والاضطهاد بحق جماعة أو فرد, يعني في الوقت نفسه, اكتمال المجتمع المدني
ذاته وتقدمه, الذي يشكل التنوع الخصب والاختلاف هويته الواقعية. ومن ثم فإن
عجز الدولة السورية, مستقبلاً, عن التغلب على حالة اللاتكافؤ السياسي
والاجتماعي بين تلك التعدديات والجماعات القومية المكونة للمجتمع السوري,
بتحولها مجدداً إلى سلطة فئة عرقية أو حتى دينية أو طائفية, يعدّ ذلك
إخفاقاً ذريعاً لها عن أن تكون دولة الحرية والمساواة والأمن لجميع
مواطنيها، ويقوض بالتالي كل إمكانية واقعية أو شكلية لنشوء عقد اجتماعي-
سياسي ومدني قائم على التسامح والاختلاف والتعايش, عقد شراكة جديد في
الحياة الوطنية.
لقد عارض النظام البعثي في سوريا, نظير البعثي العراقي الآفل, القائم على
التسلط الفردي والقومي, هويّة سوريا التاريخية- التعددية بالجوهر القومي
الخالص, أو العرقي. وغدا ذلك الحقيقة الرسمية للسلطة في سوريا. ومن هذا
المنطلق فقد تنكر للواقع القائم ليس على المستوى السياسي فحسب, وإنما أيضاً
على مستوى الواقع الاجتماعي والتاريخي. وأرست أيديولوجيا الاستبداد أسساً
عرقية ومذهبية للنظام السياسي في سوريا وكرّستها. وكان على المجتمع برمته,
بما ينطوي عليه من تنوع تاريخي وتعدد, أن يتوافق مع قيم النظام السياسية
والثقافية توافقاً كلّياً. وأن يستبعد, بالمقابل, قيمه الخاصة وهويته
القائمة على الاختلاف بغرض إثبات تجانسه التام مع المزاعم الأيديولوجية
المعلنة.
الوطن يكون للجميع, على نحو عادل ومتساو, حين لا يميز بين مكوناته في
الحقوق والمكانة, وحيث ينتفي فيه التسلط والجور والاستعلاء القومي. وبخلاف
ذلك يسود التنازع والاحتراب ويكون مآله التفكك. وتتأسس هذه الشراكة
الحقيقية، التي ينتفي فيها التمايز والتراتبيات، على التسليم بالمساواة
القصوى كمبدأ لسلوك الدولة وقاعدة لممارساتها. وهذا الأمر يتطلب, كما
أشرنا, أن يترجم النظام السياسي هذه المساواة بين الجماعات السورية بحيث
يتناسب مع تطلعات الكل وإرادتهم في البقاء والعيش المشترك, بموجب عهد
مواطنة جديد ينتفي فيه كل إمكانية لعدم التكافؤ في الفرص وفي تأكيد الذات
الجمعية والهوية, وتلغى الشروط النظرية والعملية, التي عززت, وتعزز من
مكانة جماعة على حساب أخرى.
يتطلع الكورد السوريون اليوم إلى وضع سياسي ودستوري، يمكّنهم من ممارسة
دورهم السياسي مباشرة. ويعني ذلك امتلاكهم للقدرة السياسية المشروعة التي
بفضلها يمكنهم تقرير مصيرهم بحرية ودون إكراه. وهم يبحثون عن الشروط
الموائمة للمساواة الحقيقية، في بلد أكثر تنوعاً وانفتاحاً, المساواة التي
تتيح بالفعل إمكانية التعايش بصورة متكافئة. وينشدون الضمانات الواقعية
(الدستورية، السياسية, الثقافية) التي تحول دون كل أشكال التمييز القائم
والمتوارث, بحقهم, وبحق غيرهم من الأقليات القومية المهمّشة. حيث يمكن
للكوردي السوري, المقصيّ والمغيّب حتى هذا الوقت, أن يكتشف على نحو ملموس
الأساس المنطقي والأخلاقي في نظام سياسي جديد، ويزداد وعيه بالانتماء إليه
ويعزز.
من هنا يبدأ العمل الوطني على أساس شراكة وطنية عامة وفعلية. دون إقصاء أو
إنكار. فسوريا الغد, لن تكون ميراثاً لأحد, أو لجنس دون آخر, إنها لكل
السوريين على نحو متساو وعادل. ولا يمكن لطرف أن يستأثر بها بعد الآن أو
يتصرف على نحو يتجاهل حق الآخرين فيها. والمصلحة المشتركة لكل السوريين هي
التي ستضمن بعد الآن وحدة المجتمع السوري وانسجامه وتماسكه, وليست الشعارات
القوموية الوحدوية الفارغة. وهو ما سيشكل إنجازاً تاريخياً بالفعل.
ضمان الحرية الطبيعة للإنسان ليس هو الغرض اليتيم للديمقراطية. كما أنها
لا تستهدف فقط هيمنة أغلبية أو طغيانها على ثقافة الأقلية باسم هوية
الأكثرية القومية. إذ تشترط الديمقراطية مقاومة هذه الهيمنة باسم الحرية,
واحترام التعددية, وحماية التنوع وإنتاجه على نحو أرقى. ومثال ميلوزوفيتش
والقوميين أمثاله أسطع برهان على ذلك. فقد كانوا يمثلون أغلبية عظمى من
الرأي العام القومي, أغلبية قومية متعصبة, مشحونة برفض الغير. ومع ذلك
شنّوا حرباً عنيفة ضد الأقليات, باسم النقاء القومي والتجانس العرقي. فلا
يمكن القبول بأي تعريف للديموقراطية في مثل هذه الحالة، إلا بوصفها سيادة
الاعتراف بالآخر وحماية اختلافه واحترامه , كما يقول تشارلز تايلور.
إن طغيان الأغلبية واستبدادها يمثل تهديداً جديّاً للمساواة والحرية معاً,
وللديمقراطية إجمالاً. وبخاصة عندما تكون أغلبية منتخبة ومستقطبة حول
أيديولوجية دينية أو قومية عنصرية, كما ينوّه تورين. إذ أن هيمنة هذه
الأغلبية ستعيد إنتاج أشكال جديدة من عدم المساواة, وأنماط أخرى من التمييز
المصحوب بالعنف السياسي والإقصاء والقهر، حينما تغدو تلك الأغلبية مستأثرة
بالسلطة السياسية وتكون مصدراً للتشريع والقوانين، فتعمد إلى الإنكار
وإقصاء الأقلية وتهميش إرادتها.
من هنا تبرز أهمية تأسيس الديمقراطية على التوافق بين الإقرار بإرادة
الأغلبية مشروطة بضمان التعددية, وحماية الأقلية واحترام تطلعاتها
المتنوعة. أي الاعتراف المتبادل بين الوحدة والتعددية. إذ يتعذر اليوم تخيل
ديمقراطية غير تعددية, ولا معنى لها خارج الإقرار بتعدد المعتقدات
والهويات والتطلعات الثقافية. وأيّ نظام سياسي يستمدّ شرعيته من هيمنة
أغلبية دينية, أو طائفية, أو أيديولوجية عرقية, إنما يقوّض الديمقراطية
وينهك كل نزوع نحو المساواة. وفي الحالة السورية، بصورة خاصة, من شأن ذلك
أن يعيد إنتاج سياسات الاستبداد القومي للبعث وتكريس تلك الممارسات
العنصرية التي استعبدت واستبعدت شرائح كبيرة من المجتمع السوري. وهذا ما
ينبغي على فيصل القاسم ومن يشاركه الوهم أن يعيه جيداً